هيدرا

(0)
(0)
Rating
5.0/5
1
Description

هيدرا بقلم Ahmed Al-Sadiq ... أوديسَّا الفَناء والخلود إنها رواية إنسانية من الدرجة الأولى، وملحمة فلسفية تحاول الإجابة عن السؤال الوجودي، وغاية الإنسان في هذه الحياة، وذلك عبر طرح سؤال آخر:"ماذا يحدث لو أصبح الإنسان خالدًا؟" وتجسيد ذلك السؤال عمليًا بين ثنايا فصول الرواية؛ إذ تذهب الرواية مذهبًا أبعد، فتصور ذلك الإنسان البدائي الأول، الذي لطمه السؤال في عقله، السؤال الذي يستمر صداه في فصول الرواية، حيث تتباعد أحقابَها الزمنية، وتتواصل فيما بينها عن طريق أبطالها الخالدين، تتناول الرواية الطبقية الحادة التي نشأت بين الفانين والخالدين، حيث أصبح الخالدون هم السادة والفانون هم العبيد، وتفشت العنصرية عبر السنين في نفوس الخالدين، حتى عيُّن أحدهم نفسه إلهًا. فيما تأتي الرحلة الزمَكانيَّة "هيدرا" لتسبر أغوار كل شيء، فنعود للإنسان البدائي الأول في التاريخ الغابر، وننطلق إلى المستقبل البعيد، حيث حافة الزمن الإنساني؛ لنكتشف ماذا حل بالبشرية بعد أن تمتعت طوال حياتها بالخلود في الدنيا، ويكون السؤال "هل تمتعت حقًا؟". ولا تخلو الرواية من رمزية، وإسقاط على الواقع، وإثارة درامية تخلق المزيد من الفضول والشغف، وبناء روائي مبتكر قائم على وجود كاميرا أزلية، تصوّر المشاهد، وتدخل في رؤوس الأبطال لنعرف ما يدور في مكنوناتهم، وحبكات فرعية تنسجم مع الحبكة الرئيسية، وفصول متصلة منفصلة تجعل الرواية أشبه ببضع حكايات فارقة، وتاريخ جديد كُتِب للإنسانية.

Author

Ahmed Al-Sadiq Ahmed Al-Sadiq

كاتب ومؤلف
من أحدث الاعمال التي صدرت له ( دوار العالم ) عن دار نشر العين

Other books by the author

Reviews book : هيدرا

Ahmed AlSadek

5 out of 5 stars

"قراءة نقدية للكاتب والناقد د.يسري عبد الله" أحمد الصادق في رحلة الفناء والخلود... روائيًا A+ A- شكلت سردية الخيال العلمي تراثًا أدبيًا مستقرًّا في متن السردية العالمية، وانتقلت منها إلى السينما التي دفعت بها شوطا أبعد مدى، وترتبط سرود الخيال العلمي المؤسِّسة بالكاتب الفرنسي جول فيرن، خاصة في أعماله المتواترة "خمسة أسابيع في منطاد" و"رحلة إلى مركز الأرض" و"من الأرض إلى القمر"، التي تحولت إلى فيلم سينمائي، وصارت ملهمة لصناع السينما فيما بعد. وفي أدبنا العربي الحديث ثمة أسماء متعددة، من قبيل الكاتب المصري نهاد شريف وروايته "قاهر الزمن"، وأعماله المختلفة التي خلقت مزاوجة بين أفق الخيال العلمي الوسيع، والقوانين الداخلية للنص الأدبي، وتواترت نصوص عديدة تسعى الى الاشتباك مع هذه المنطقة الكتابية الرائجة إلا قليلاً. ترتبط سردية الخيال العلمي بإمكانات المجتمع العلمي ذاته، ومدى حضوره في متن الحياة، ولذا ستجد حضورا مزدهرا لأدب الخيال العلمي في المركز الأورو-أميركى واستحضاره من ثم في السينما التي نفذت إلى المتلقي العام عبر أفلام عديدة تخطت مشاهدتها الأرقام المعهودة من قبيل آلة الزمن، وحرب النجوم، وغيرهما. هيدرا... وفرضيات علمية في روايته "هيدرا... أوديسا الفناء والخلود" (دار العين)، والحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية، يقدم الكاتب المصري أحمد الصادق عالما يخصه، ينطلق من فرضيات علمية ويصل إلى ما هو أبعد. بدءًا من العنوان الدال "هيدرا... أوديسا الفناء والخلود"، تلوح بنية دالّة مركبة تؤدي معنى داخل المسار السردي للنص، حيث تعد هيدرا في الأدبيات العلمية علامة على كائن يتجدد باستمرار، يحيا في المياه العذبة، ولم يتبين العلماء علامات شيخوخته. تأخذ المفردة الدالة في الواقع الخارجي على اسم محدد، بعدًا آخر في النص الروائي يتصل بتيمة الارتحال. المركب زمكاني النزعة، حيث الرحلة الفضائية في الزمان والمكان، في محاولة للتماس مع السؤال المركزي في الرواية: ماذا لو أصبح الإنسان خالدًا؟!. ولا تسعى الرواية الى تقديم أجوبة، بل تطرح خطاباً شاكًّا ومتسائلاً، وجوديّ الطابع، لتبدو في النهاية مشغولة بأسئلة الكتابة الخلاقة عن الوجود والعدم، الخلود والفناء، المصير والمآل. وفي عنوانها الفرعي "أوديسا الفناء والخلود"، تشير الأوديسا إلى فكرة الرحلة الطويلة، وتحيل المفردة إلى الملحمة اليونانية الشهيرة. ثمة دلالة هنا أيضا على عالمين متقابلين: "الخلود" و"الفناء"، تعبران عنهما طبقتان أزليتان: السادة والعبيد، في فضاء متسع جغرافيا، عبر حلقات الفنتازيا التي تتوالد باستمرار داخل النص، وزمانيًا عبر مؤشرات الرحلة الممتدة منذ الإنسان القديم (بود)، ووصولا إلى الزمن المستقبلي (المجهول)، حيث بدوي، وبودين، وبودفاي. أبنية السرد تبني الرحلة عوالمها وتخلق منطقها الجمالي الخاص الذي يعتمد أسلوب الوحدات السردية المنفصلة المتصلة، وتتشكل من ١٨ فصلا سردياً، تبدو متعاضدة ومكونة المتن السردي، لكن كل فصل منها يبدو- في الآن نفسه- وكأنه قائم، ومستقل بذاته. يمثل التصدير جزءًا من البنية الروائية، وهو تطواف واسع بين الفلسفة، والعلم، والمقدس (بروتاغوراس/ ملحمة غلغامش/ نيتشة/ سورة الشعراء)، حيث رحلة الإنسان في تنويعاتها وصداها الذي لم يزل يتردد. وتعتمد الرواية بنائيًا على جدل العلمي/ المعرفي بافتراضاته واحتمالاته، والجمالي/ السردي بتقنياته وبناه وآلياته. هكذا تبدأ الرواية: "في آن من آنات التضخم الأبدي، ووسط حشد هائل من الأكوان المتعددة وقفت هناك كاميرا أزلية تراقب ظهور انفجارنا العظيم... في البدء، ظهرت داخل الكادر نقطة سوداء، تحوي مستقبل كوننا بداخلها، ولكن الكون لم يحتمل فكرة أن يكون حبيس نقطة منعدمة الأبعاد والزمن..." يعول الاستهلال الروائي هنا على العلم (نظرية الانفجار العظيم)، يباعد بينه وبين الميتافيزيقا، ويظهر النحت اللغوي في مفردة "آنات"، وتتخذ اللغة مستويات مختلفة في الرواية، خاصة حين يبدل الكاتب بين صيغ الحكي المستخدمة، وهذا تكنيك مركزي في الرواية، ويتجلى على نحو أكثر جدة في المواضع التي يتحرك فيها السرد بين داخل الشخوص وخارجهم، فحين يحمل المقطع عنوانا فرعيا مثل "داخل رأس بود" يكون الحكي بضمير المتكلم (أحب أن أكون مختلفا عن الجميع... ليس لي شأن بعينه، ولكن من أجل الاختلاف. يشعرني ذلك بأنني قريب من حقيقة ما يجهلها الجميع)، وحين يتخذ المقطع عنوانا فرعيا مثل "خارج رأس بود" يكون الحكي بضمير الغائب:"بينما يقف بود مبتسما في صورة ثابتة، تقوم الكاميرا بتشغيل الفيديو بسرعة بطيئة، فنلاحظ تغيرا طفيفا على ملامح وجهه المنبسطة، وقد بدأت في الانقباض شيئا فشيئا". يحتلّ بود الرامز إلى الإنسان الكهفي الأول، حيث البقاء للأقوى جسدياً، الفصول الثلاثة الأولى من الرواية، ثم يأتي بدوي الذي يقدمه الراوي الرئيسي بوصفه شابًا في الثلاثينات من عمره، وقد اقترب من الحصول على تقنية الخلود التي تبقيه أبدًا غير محدد، وتلوح معه زوجته أسماء، التي تجتر خلفها تاريخا مربكا، لكن التحولات الدرامية تدفع بأسماء إلى حتفها، ومن بعدها بدوي الذي مات منتحرا في مرددا إحدى الجمل المركزية في النص (الخلود بدون حب أو إنسانية ليس له معنى). يقفز الزمن إلى العام 3402م حيث خروج بودين، واكتمال سلسلة التحولات اللانهائية في مجرى الإنسانية، وتشابكات أحوالها ومصائرها، وشبكة المتحكمين فيها، ثم يأتي بودفاي المرتحل في الزمن المستقبلي إلى نقطة غارقة في البعد بملايين السنين، أو العائد في الزمن طويلا، أو القريب من بودين زمنيا. وتلوح فكرة الإنسان الفاني في مقابل الآخر الخالد "الأفتار" المتعدد، وتصطحب الرحلة المركبة منذ البداية وحتى النهاية اللا نهائية تلك الكاميرا الأزلية التي ترصد كل ما دار وسيدور، في توظيف لآلية عين الكاميرا بالمعنى الفني، وأسطرة الوجود الممتد بالمعنى الدلالي. وبعد... ثمة كاتب موهوب هنا، وثمة كتابة حقيقية، وثمة رغبة في استبناء عالم مسكون بالشغف، والتشويق الدرامي، وانفتاح المعنى.

Ahmed AlSadek

5 out of 5 stars

"مراجعة الكاتب والمترجم د.أحمد سمير سعد" هيدرا هو وحش متعدد الرؤوس في الأساطير الإغريقية، متى قطعت رأس من رؤوسه نما له رأسان، يبدو خالدا إذن بصورة أو أخرى إلا أن هرقل استطاع القضاء عليه. هيدرا كذلك في الإنجليزية هو شر مستطير، وكأن الرحلة لا يمكن أن تتخلص من الشر أو أن حلم الخلود نفسه في هذا العالم شر كبير. هيدرا كذلك كائن أولي بدائي بسيط، ربما من عنده بدأ الكثير. حقيقة كانت الرواية مفاجأة سارة بالنسبة لي وكذلك كان أحمد الصادق مفاجأة سارة لي. تعمد أحمد أن يكتب رواية خيال علمي ترتكز على بعض الحقائق العلمية التي نعتقد فيها اليوم ومن الواضح أنه بذل مجهودا كبيرا في تدقيق بعض المعلومات لعل أبرزها حسابات تفاوت مرور الزمن بحسب سرعة المتحرك ما أثرى العمل بالكثير من التفاصيل، من الحسابات التي راجعتها كذلك بدافع الفضول ووجدتها صحيحة حساب اليوم الذي سوف يوافقه التاريخ المستقبلي (٢٧ سبتمبر عام ٣٠٦١٨٩٩٦٣)، إذا أجريت الحسابات سوف تجد أن ذلك اليوم سوف يوافق بالفعل يوم جمعة كما كتب أحمد الصادق في روايته. اختار أحمد الصادق أن يكتب من منظور كاميرا لكنها ليست كاميرا كالتي اعتدناها، إنها كاميرا تستطيع اختراق الرؤوس ومتابعة خفايا النفوس، هي تنقل لنا مشاهد الخارج كما تتحرك في مشاهد أخرى إلى داخل الأدمغة، لا لتنقل صور المخ والخلايا والدماء، لكن لتنقل تفاصيل الأفكار وما تتطلع إليه النفوس. هي كاميرا لا تستطيع سبر أغوار النفوس فقط بل بإمكانها كذلك أن تتجاوز إطارات الزمان والمكان، لترصد المفردة التي بدأ منها كوننا وخلق الزمان والمكان، هي إذن استطاعت تجاوز الزمكان نفسه ورصد ما لا يمكن رصده! وضعنا هذا الأسلوب في قالب أقرب للشكل السينمائي، نتحرك في مشاهد حيوية تنتقل من داخل رأس أحدهم بعد أن وصفت انطباعاته إلى رأس آخر ثم تخرج لتصف في حيادية المشهد من الخارج.. هذا الأسلوب يطرح تساؤلا مثيرا حول دور السينما الحديثة خاصة سينما الخيال العلمي في إلهام الكتاب، خاصة المشاهد المثيرة لكوكبنا الأزرق من الخارج وكيف يتضاءل مع الابتعاد عنه وكيف يختفي تماما مع السفر بين النجوم ومن ثم المجرات والتحليق في الفضاء الفسيح الذي عرضه مليارات السنين الضوئية.. ولعل أحد أكثر الأجزاء براعة الدالة على هذه الحيوية في السرد المشهد الذي كان بين بدوي وأسماء حينما أخذت الكاميرا تتنقل بين داخل رأسيهما، لتعرض وجهات نظر شديدة التباين حول نفس الأمر وترصد تغير ذكي في مواقفهما، وكيف تبدلت الكثير من أحكامهما تحت تأثير الفوز بالخلود أو حتى الحلم به. كثيرا ما يُطرح أن أبطال روايات الخيال العلمي أبطال مسطحون، لأن الاهتمام منصب على الموضوع والفكرة بل يعتبر البعض أن هذه هي إحدى خصائص روايات الخيال العلمي وفي واقع الأمر حاولت بعض شخصيات هيدرا الهروب من هذا النمط لكن أغلب الشخصيات جاءت مسطحة بشكل ما، بالرغم من اجتهاد أحمد الصادق في رسم ماض لها، لكنه جاء في بعض الأحيان مبتسرا، وأظن أن السبب يرجع إلى الموضوع ذاته، فالشخصيات تعيش في النهاية في عالم مختلف عن العوالم التي نعتادها، وهي هنا تناقش في أحيان كثيرة أفكارا فلسفية حول تأثير الخلود على الاختيارات الأخلاقية والحب والانتماء ويناقش أحمد الصادق هذه الأفكار وتنوعاتها على مدار فترة زمنية طويلة للغاية وفي أزمنة متباينة، فتبدو الأفكار هي البطل خاصة أن الأبطال ليسوا هم الأبطال الذين اعتدناهم، إن مشاكلهم مختلفة عن معضلات الشخصيات التي قد ننعتها بالعمق، إذ إن هذه المعضلات هي التي ترسم العمق الذي نظنه. وكعادة روايات الخيال العلمي تسقط صراعاتنا الخاصة بنا على أبعاد أخرى وعلى كائنات أخرى وفي ظروف أخرى، ربما لنتحرر من أسر أفكارنا البدئية وننظر للأمور بصورة مختلفة، هكذا نجد أحمد يناقش مشاكل الطبقية وتباين القدرات واستعباد البشر لكنه يفعل في حكاية مستقبلية سحرية وفي قصة ماضوية عند بدايات الإنسان العاقل. صحيح أننا نرى مجتمعا استطاع بعض أفراده الوصول إلى الخلود لكن الخلود نفسه يتحول إلى معضلة والأدهى أن هذا الخلود لم يكفل للإنسان الوصول إلى حل تساؤلاته الكبرى المنحصرة في من أين وإلى أين ولماذا وما الغاية؟ عاش البعض الخلود من أجل العلم والبعض من أجل السيطرة والبعض من أجل الاستمتاع، وجميعهم فشلوا في البقاء، الوحيد الذي بقى بجسده فقد شغفه وتشوشت ذاكرته ومضى في الحياة وكفى.. شكلت الروايات التي تبحث الخلود جانبا كبيرا من روايات الخيال العلمي العربي والغربي، في الماضي كان يتم الترقيع قبل أن يعيش البشر ذلك الخلود ويُقضى على الفكرة في مهدها، على الأغلب من خلال كارثة تقضي على عقار الخلود ومعادلته لكن أحمد الصادق كان أكثر شجاعة ومضى بالفكرة إلى النهاية وجعل أحدهم يعيش مئات الملايين من السنين، اختار أحمد أن يقص علينا حكاية الإنسان العاقل منذ وجد وفكر لأول مرة في مغزى العالم ورحلته على مر سنين طويلة بلغت الملايين. إلا أن أحمد الصادق قد استخدم كذلك تقنية اللولب الزمني، لنجد أن أحد الذين عاشوا في الألفية الرابعة وقدر على السفر في الزمن عبر ثقب دودي نحو الماضي وقابل الإنسان البدائي قد أثر في ذلك الإنسان البدائي وألهمه أسطورة بقيت معه وصنعت جزء كبيرا من التاريخ، وهي التقنية المثيرة للغاية والتي تبدو معاكسة للحس المشترك، عندما يؤثر إنسان من المستقبل في ماضيه، لتغيب مفاهيم الماضي والحاضر والمستقبل ونلج لولبا مغلقا، يؤثر مستقبله في ماضيه وماضيه في مستقبله. شابت الرواية في رأيي بعض الهنات البسيطة.. على سبيل المثال قتل أسماء لعشيقها وكيف برأت نفسها من تعمد القتل بمجرد محو ذاكرة الهاتف المحمول الخاص بالضحية، في حين أن كثير من هذا الداتا قد تكون محملة على سيرفرات شركة الاتصالات نفسها، والمتعلقة بأرقام الاتصال وأماكن التواجد وغيرها وبالتالي فمجرد محو ذاكرة الهاتف لا تكفل النجاة. تبدو كذلك جملة الحس المشترك في توصيف الفارق بين ذكاء البشر وذكاء الآلات ملتبسة داخل الرواية.. الفارق الحالي بين الذكاء البشري وذكاء الآلات أن البشر يعرفون الحدس أو الحس المشترك كما أسمته الرواية، في حين لا تعرف الآلات إلا الخوارزميات التي لا تستطيع أن تعمل إلا من خلالها ولا يمكن أبدا لها أن تحاكم أفكارها المبدئية، كذلك يمتلك البشر الرغبة والدافع والقيمة والغاية، في حين لا تعرف الآلات ذلك.. لكن متى امتلكت الآلات القدرة على مراجعة أفكارها المبدئية وتملكتها الرغبة في العلم أو غاية تحقيق العدل، إذن فقد صارت مثل البشر وبالتالي فقد امتلكت ما يشبه الحدس أو الحس المشترك أو هكذا أظن، هي بذلك حققت القفزة ولم يعد هناك فارق بينها وبين البشر. أخيرا، ربما حاولت الرواية مناقشة العديد جدا من الأفكار وتغطية فترات زمنية طويلة والمرور بصراعات كثيرة للغاية وهي وإن عكست مقدرة كبيرة لدى الكاتب على غزل الخيوط في مهارة وحنكة إلا أن ذلك قد ارتبط في بعض الأحيان بالاضطرار إلى السرد المباشر والتقريري.. في النهاية أحيي أحمد الصادق كثيرا على روايته المبشرة للغاية والتي أسعدتني كثيرا وفي انتظار الكثير منه مستقبلا.

Ahmed AlSadek

5 out of 5 stars

في آن من آنات التضخم الأبدي، ووسط حشد هائل من الأكوان المتعددة، وقفت هناك كاميرا أزلية، تراقب ظهور انفجارنا العظيم... في البدء، ظهرت داخل الكادر نقطة سوداء، تحوي مستقبل كوننا بداخلها، ولكن الكون لم يحتمل فكرة أن يكون حبيس نقطة منعدمة الأبعاد والزمن، فانفجر طليقًا يشكل البذور الأولية للمادة، والحياة. كان الانفجار مدويًا، بصوت مفعم بطعم الصمت، ولون سكون، يشبه عرافة عجوزًا شمطاء، تتنبأ بأمر جلل وشيك الحدوث. حينها، تقهقرت العدسة بسرعة مخبولة، وظهرت الجسيمات الأولى وكأنها في ماراثون ملحمي، يريد أن يفترس الشاشة. اعتدلت الكاميرا بزاوية نصف دائرية خاطفة، محاولة الهرب من الانفجار خلفها، لكنها وجدت نفسها مندفعة للأمام، تشق العدم، مخلّفة من ورائها وجودًا جديدًا في كل لحظة... حتى ظهرت الأرض... بدت كنقطة زرقاء باهتة وسط محيط من الظلام، كشظية متطايرة من ألعاب النيران أطلقها أحد الأطفال في عيد الميلاد. ولما ملأت الكادر بدورانها، وتكوّرها المائل على محورها، كأنها راقصة باليه تريد أن تثبت ذاتها الليلة أمام الجمهور، ظهرت أشكال الحياة على سطحها، تتسابق في سلالم تطورية تقترب من اللانهائية، وتسعى إلى أقرب معنى يوضع بثقة بجوار لفظة الكمال في المعجم الإنساني. وفي لحظة من لحظات تطور الكائنات الحية، الباحثة عن سبل بقائها آمنة، وقف إنسان بدائي، ناظرًا إلى سماء الليل، على وجهه ذهول مطبق، إذ إنه فكر لأول مرة في السؤال الذي سيغير مجرى التاريخ... ... *مدخل الرواية