هيدرا

(0)
(0)
Rating
5.0/5
1
Description

هيدرا بقلم Ahmed Al-Sadiq ... أوديسَّا الفَناء والخلود إنها رواية إنسانية من الدرجة الأولى، وملحمة فلسفية تحاول الإجابة عن السؤال الوجودي، وغاية الإنسان في هذه الحياة، وذلك عبر طرح سؤال آخر:"ماذا يحدث لو أصبح الإنسان خالدًا؟" وتجسيد ذلك السؤال عمليًا بين ثنايا فصول الرواية؛ إذ تذهب الرواية مذهبًا أبعد، فتصور ذلك الإنسان البدائي الأول، الذي لطمه السؤال في عقله، السؤال الذي يستمر صداه في فصول الرواية، حيث تتباعد أحقابَها الزمنية، وتتواصل فيما بينها عن طريق أبطالها الخالدين، تتناول الرواية الطبقية الحادة التي نشأت بين الفانين والخالدين، حيث أصبح الخالدون هم السادة والفانون هم العبيد، وتفشت العنصرية عبر السنين في نفوس الخالدين، حتى عيُّن أحدهم نفسه إلهًا. فيما تأتي الرحلة الزمَكانيَّة "هيدرا" لتسبر أغوار كل شيء، فنعود للإنسان البدائي الأول في التاريخ الغابر، وننطلق إلى المستقبل البعيد، حيث حافة الزمن الإنساني؛ لنكتشف ماذا حل بالبشرية بعد أن تمتعت طوال حياتها بالخلود في الدنيا، ويكون السؤال "هل تمتعت حقًا؟". ولا تخلو الرواية من رمزية، وإسقاط على الواقع، وإثارة درامية تخلق المزيد من الفضول والشغف، وبناء روائي مبتكر قائم على وجود كاميرا أزلية، تصوّر المشاهد، وتدخل في رؤوس الأبطال لنعرف ما يدور في مكنوناتهم، وحبكات فرعية تنسجم مع الحبكة الرئيسية، وفصول متصلة منفصلة تجعل الرواية أشبه ببضع حكايات فارقة، وتاريخ جديد كُتِب للإنسانية.

Author

Ahmed Al-Sadiq Ahmed Al-Sadiq

كاتب ومؤلف
من أحدث الاعمال التي صدرت له ( دوار العالم ) عن دار نشر العين

Other books by the author

Quotes book : هيدرا

Ahmed AlSadek

وبينما كانا في السيارة، يقودها بدوي بصمت، وتجلس أسماء بجواره وقد ارتسمت على وجهها آيات الغضب، تقترب عيناها من الاحتراق بفعل نيران أشباحها... تدخل الكاميرا الأزلية في رأسيهما... داخل رأس أسماء الحياة مع بدوي أصبحت لا تطاق، لا تطاق! ولكن في الوقت نفسه، لا يسعني الاستغناء عنه، فبدوي هو من يمدني بطاقة غير معلومة الهُوِّية، تجعلني مسرورة من مجرد النظر إلى صنعتي، ولكن يبدو أن الصنعة تتطلع لأن تغلب الصانع، وهذا ما لن أسمح بحدوثه. داخل رأس بدوي على أسماء أن تقدر الموقف، عليها أن تقتنع، بل تؤمن إيمانًا مطلقًا أني أحبها هي، وأنها رقم واحد بالنسبة لي. عليها أن تدرك أن تكويني لعلاقات مع الخالدين هو من باب الضرورات، من أجل الاستعداد لحياتي المقبلة، فكل الخالدين لديهم طموحات، مشاريع، أعمال، أبحاث، دراسات، آمال، لابد أن نبدأها معًا، إنها مجرد علاقة شراكة، ليس إلا. داخل رأس أسماء على بدوي أن يعلم جيدًا ما هو مقبل عليه، فهو إن كان به مقدار ما من الذكاء، فأنا من علمته هذا الذكاء، ولكنه لا يدرك تمامًا ما هو مقبل عليه، ولا ما هو عليه فعليا الآن، فعلاقاته مع الخالدين، التي لا يكف القول عنها أنها مجرد آمال شراكة ومصالح مستقبلية، تهينني، نعم تهينني! عليه أن يعلم أني أشعر بالإهانة، فالحياة أمامه طويلة؛ لماذا يبدأ علاقاته مع الخالدين وأنا مازلت على قيد الحياة؟ داخل رأس بدوي أسماء غيورة جدًا... لابد أن أتعايش مع الموقف؛ لا يمكنني أن أضغط على الزر السحري فتتبلد مشاعرها. والعلاقات النسائية مع الخالدين بالنسبة لي مثلها مثل العلاقات الذكورية، فالنساء يتواجدن، ما ذنبي أنا؟ هل أقول لهم في نيويورك أني أود التعامل مع الذكور فقط؟! أنا حقًا لا أعلم ما الذي ينبغي عليَّ أن أفعله! داخل رأس أسماء أنا أعلم نفسي جيدًا، إن تأكدت في مرة من المرات خيانة بدوي مع كلارا ذات الفم الكبير، سأقتلها... سأقتل الخالدة بدم بارد، فلم تعد لي حياة أبدية كي أبكي عليها إن وصلت لحبل المشنقة، في مدينة مُنحَلَّة لا تعترف بالشرف! داخل رأس بدوي أسماء ستصير امرأة عجوزًا بعد عدد قليل من السنوات، يجب أن أستعد نفسيًا لذلك، يجب أن أقبل الوضع الذي اخترته، وألتزم به؛ فهناك هاجس ما يزورني في الليل على فراش النوم، ويقول لي: سيأتي اليوم الذي لا تطيق فيه زوجتك الحبيبة... لكني أطرد هذا الهاجس عندما يأتيني، حتى لا يتلبسني، ويصور لي أحداثًا مستقبلية لا أود حقًا أن أخوضها. فلْأكتفِ بصورة أسماء الذهنية الشابة، التي - ولحسن الحظ - تقاوم بلا هوادة كي تبقيها. داخل رأس أسماء عمري المزيف ثلاثون سنة، وعمري الحقيقي خمس وخمسون سنة، وعمري العقلي ألف سنة. هذه هي أنا، فليذهب الجسد إلى أكبر بلّاعة، وليبق عقلي الذي لابد أن ينحني له بدوي، ولا ينظر إلى جسدي. فليزهد في الحياة، وليعتبر نفسه شيخًا كبيرًا، بقضيب واهن غير قابل للانتصاب. فليعش حياته معي حتى أموت كما لو كان راهبًا، يتعبد إلى إلهه، ولا يشرك به أحدا. خارج الرأسين تشعل أسماء سيجارة، وتأخذ نفسًا عميقًا من الدخان، فيتغلغل في عروقها، التي تحولت إلى أنفاق من الجحيم؛ فقد ألقت الأشباح أعواد الثقاب المشتعلة بداخلها، وحرقت الخلايا الحية، حتى تفحمت.

Ahmed AlSadek

داخل رأس بودفاي ما الذي تفعله هنا يا بودفاي؟ فعلًا، ما الذي تفعله؟ أليس من المفترض أن يكون مكانك بجوار زملاء الكفاح في إنفينيتي سيكتور؟ كي تبحث معهم عن طريقة للقضاء على بودين؟ فهم في أمس الحاجة إليك الآن... ما الذي تفعله ها هنا أجبني! سأجيب، سأجيب... أنا هنا من أجل مهمة علمية، هي المهمة الأسمى والأهم على الإطلاق في تاريخ الخالدين، إنها هيدرا، أوديسا الزمكان، حيث السفر بعرض الكون، والرجوع في المستقبل البعيد، أو البعيد جدًا... يقول المتفردون إننا إن سبحنا في المسار المحدد لنا، سنعود إلى الأرض تحديدًا سنة 306189963 ميلاديًا، في يوم الجمعة الموافق السابع والعشرين من سبتمبر، الساعة 3:51 عصرًا بتوقيت نيويورك! كم أنتم دقيقون أيها المتفردون! ولكن مازال ينقصكم طابع الإنسانية، فمثلًا لا أظن أن الإنسان سيظل يقوم بحساب تقويمه بهذه الطريقة، يكفي أنكم تقولون "ميلاديا!" هذه نكتة أيها المتفردون! لقد تطورت الحضارة الإنسانية بطريقة مرعبة في ألف وأربعمئة سنة، فما بالنا بملايين السنين؟ مجرد التفكير في ذلك يصيبني بدوار، ولكني أترقب الوصول لتلك السنة على أحر من جمر، حيث ستكون قارة بانجيا ألتيما العظيمة قد تكونت وبزغت إلى الوجود، ومن حسن الحظ أن سرعاتنا، التي سوف تكون مقاربة جدًا من سرعة الضوء، ستجعلنا نشعر أننا لم نقض سوى عدة مئات من السنين، وبالتحديد 9136 سنة، هذا بخلاف عشرات السنين الأخرى التي سنقضيها في بعض المحطات والنقاط الكونية من الكواكب والمجرات، لتفحصها شبرًا شبرًا... ألف وثلاثمئة سنة، هي مدة جولتنا النسبية حول الكون، "حول الكون في 1369 سنة"، عنوان جيد لرواية مستقبلية، أين أنت يا جول فيرن كي ترى ما وصلنا إليه؟! فقط ما يجعلني في حالة من الارتباك والتوتر، هو اللحظة التي سوف أنفصل فيها عن شخصيتي الأخرى، بعد أن تدخل في ثقبها الأسود. أنا لا أتخيل أني سأكون في الماضي وفي المستقبل، في مكانين مختلفين، دون أن يكون لدي اتصال مباشر بعقولي! إنه شيء خارج عن السيطرة العقلية حرفيًا! يُطمئننا المتفردون المتحذلقون، أننا لن نشعر بتشتت من أي نوع؛ فببساطة، ستكون لكل شخصية عالمها الخاص. أنا مثلًا في هذا الأفتار، سأسافر حول الكون، إذن سأسافر حول الكون وكفى، لن أشاهد أو أعايش أو حتى أتخيل أي شيء مما سيحدث في الجهة الأخرى من الزمكان، حيث الثقوب السوداء والسفر إلى الماضي. في نفس الوقت، بالنسبة لشخصيتي التي ستقوم بذلك، فستنقطع صلتها بعقلي الحالي الذي يفكر ويتكلم ولا يعجبه كلام هذا المتفرد الذي يحاضره الآن... ببساطة ستنقسم شخصياتي، ستستقل كل واحدة منها على حدة، وسأنساها إلى الأبد، أو إلى أن نلتقي في سنة 306 مليون وبعض الكسور... إنه التحدي الأصعب في هذه الرحلة العظيمة. شيء آخر يجعلني قلقًا ومرتبكًا أيما ارتباك، ولا أستطيع التركيز مع المحاضر... إنها القرعة التي سيقومون بها قريبًا في تحديد وتوزيع الثقوب السوداء. ليس الأمر اختياريًا، ولا إجبارًا، إنما ارتأينا جميعًا أن نجعلها قرعة، لا أعلم أين ستذهب بي، هل إلى العصور الوسيطة، أم في مهد الحضارات القديمة، أم منذ نشأة الأرض، أم يا ويلتي إن وقعت ضمن الثقب الذي سيؤول إلى نقطة التفرد الكونية الأولى! وما تليها من سنوات... إنه خيار في منتهى الرعب بالنسبة لي، لكنه خيار حماسي مليء بالمخاطر اللذيذة؛ فقد أعلم أصل كل شيء، وأعود بإجابات شافيات كافيات عن الأسئلة الوجودية التي تربعت على عرش الأسئلة الفيزيائية في الآونة الأخيرة: ما أصل الكون؟ ما الذي يقبع وراءه؟ لماذا نحن هنا؟ إلخ... لكنه يبقى خيارًا مرعبًا... مرعبًا جدًا! نعود لنفس نقطة الصفر مرة أخرى يا بودفاي... ما الذي تفعله هنا، ودانييل وآرثر يحتاجان إليك بالأسفل هناك؟ هل أنت مغرم بالرحلات الخطرة؟ أم أنه شغف العلم الذي تفضله على إحقاق الحق في الأرض؟ هذا سؤال تأسيسي... وقد تطول الإجابة عليه... لكن على كل حال، سأحاول جاهدًا أن أقدم يد العون خلال رحلتي. ربما أنا بعيد ببضع سويعات ضوئية الآن، وبعد عدة أسابيع سأصبح أبعد بعشرات الأيام الضوئية، لكن... ربما أجد فرصة، أي فرصة، أستطيع بها أن أقدم يد العون لصديقيّ العزيزين دانييل هيستوراك وآرثر ماكين... إلى أن ألتقي بكما في المستقبل البعيد، أو القريب إن نجحت شخصيتي الأخرى في العودة الآمنة من الماضي السحيق، الذي لا نود أن يقذف بي في نقطة التفرد الكونية... فلندعوا الرب إن كان موجودًا، فهذه هي أحوج اللحظات التي يجدر بنا أن نتذكره فيها.

Ahmed AlSadek

تنتقل الكاميرا بدورها لأعلى، فتصور مشهدًا مهيبًا للسماء، وهي تميل إلى الاحمرار. تغيم الصحراء بهالة من الجو المظلم، ويظهر بين الحين والآخر شرر أبيض ينير الصحراء كالبرق، ولكنه ليس ببرق، بل أضواء ساطعة، أشبه بفلاشات متقطعة، تنير الصحراء. يقف العارف متأملًا، ويقول "إنها العلامة الأولى... إنها أول علامة لنزول الله!" يصاب الجميع بدهشة عارمة، يقفون شاخصة أبصارهم لأعلى. يهلل الرجل المؤمن "إنها النبوءة تتحقق، إنه الله جل جلاله!" ولكن مالح يبقى متربصًا، متشككًا مما يقولونه، يظن أنها إحدى غرائب الطبيعة التي لا يعرفون عنها شيئًا. يستمر الوضع عدة دقائق، فيتكلم السائل موجهًا سؤاله للعارف "إذا كانت هذه هي العلامة الأولى لنزول الله حقًا، فما هي العلامة الثانية؟" فينطق العارف ببطء "صوت عميق يصم الآذان..." ينظر نافق إليه بريبة، ويقول "أي صوت؟" يتكلم مالح "يا أيها الناس، يا أيها العارف، هذا مجرد كسوف للشمس، لقد سمعت جدي ذات مرة يقـ..." وقبل أن يكمل مالح جملته، يصدر صوت جبار من عمق السماء، كالنفخ في الصور العظيم، يستمر عدة ثوان، ويتكرر ثلاث مرات، فيخرج الناس من أعشاشهم وأكواخهم أفواجًا، وتشخص الأبصار لأعلى، ويسكب الرجل المؤمن الدمع من عينيه قائلًا "يا الله!" تمتلئ الصحراء بآلاف الفانين، ينتظرون نزول الله عليهم من السماء، كما كانت تقول النبوءة، التي زرعها بودين في أدمغتهم عبر مئات السنين، وها هو ذا يظهر... نقطة زرقاء لامعة تبزغ في كبد السماء، يتنزل بجسد عملاق، وجناحين عظيمين، وعين ثالثة خضراء وسط جبهته، بالضبط كما تقول النبوءة... يهبط الإله من السماء ببطء، والناس في حالة من الذهول الجماعي، ينظرون إلى إلههم الذي يتنزل عليهم، بأم أعينهم، الإله الذي حكى عنه الآباء والأجداد، إنه الله جل جلاله. ينبهر العارف بتصديق كل تفاصيل النبوءة، وتفترس السائل ملايين الأسئلة التي يود لو يسألها لإلهه، وينهار المؤمن باكياً بحرقة "الرحمة يا الله!" ويصمت نافق منقلًا حدقتيه بين الله وأعين الجميع، ويتجمد وجه مالح منتظرًا هبوط الإله على الأرض، استعدادًا للخطوة المقبلة.