أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر - الجزء الثاني
أيتام سومر في شعرية حسب الشيخ جعفر - الجزء الثاني بقلم Benissa Bouhamala ... «أيتام سومر».. لربّما هو النّعت الأوفى تشخيصا لهوية جيل الستينات في الشعر العراقي المعاصر. ولعلّه يتم مركّب في حالة شعرائه: يتمهم في سومر، مسقط رأسهم الحضاري العريق، ويتمهم في بدر شاكر السياب، أبيهم الشعري الرمزي ورأس الحربة في شعرية الرّيادة. هم الذين لم يتورّعوا عن الفتك بمنجزه، وضمنيا بكامل تراث الرّيادة، وإزاحته، بالتالي، من طريقهم الشّاقة نحو الحرية.. صوب القصيدة.. جيل شعري قدير، نابه، وطليعي سوف ينفرز عنه عراق ستينات القرن الماضي فكان أن اعتنق مبدأ التجريب وصمّم على إعمال قطيعة جذرية مع السائد الشعري مجترحا، من داخل يتمه المركّب هذا، جملة من الإبدالات الكتابية المتقدمة والمنتجة التي ستكون لها مفاعيلها الملموسة في القصيدة العربية المعاصرة. جيل يذكّرنا، بناء على سيرته ونشاطيّته، بأبرز الأجيال الشعرية التي تمخّضت عنها الحداثة الغربية: جيل التعبيريين الألمان، جيل المستقبليين الروس، جيل 27 الإسباني، جيل البيت الأمريكي.. إذ هو يتمتّع بنفس جدارتها الإبداعية والثقافية ويقاسمها، ويا للمطابقة، مآلها المأساوي الذريع أو، بالأحرى، لعنتها.. ويضعنا هذا الكتاب﴿بجزأيه﴾ في صورة هذه السيرة وتلك النشاطيّة من خلال التجربة الشعرية لحسب الشيخ جعفر، أحد ألمع شعراء الجيل وأكثرهم عمقا وحيويّة.. شاعر أمدّ الشعرية العربية المعاصرة، ومنذ وقت مبكّر، بجماليات فارقة في البناء الشعري، كالتدويرالإيقاعي وتقنية الحكي الشعري والإيهام الحلمي..، وكذا أسطرة الوقائع والتوضّعات، والصدورعن رؤيا أورفية للعالم.. الرؤيا الأدقّ تعبيرا عن جوهر الكتابة الشعرية والأبلغ ترميزا لمفارقيّتها المحيّرة والجاذبة في آن معا.. كتاب يسعى، إن شئنا، إلى قراءة تجربة حسب الشيخ جعفر، كممثّل لجيل شعري مائز، قراءة فاحصة، مسائلة، وفاعلة.. علميّة، بالأولى، غير أن هذا لا يمنعها من التحلّي بأخلاقيات الإنصات، المحبّة، والتفاعل لأن أي قراءة تبقى معنية، بانتواءات هذه التجربة ورهاناتها القصيّة.