بغلة القبور
بغلة القبور بقلم منيرة درع ... أخذت الكلمات بعد وهلة تفقد معانيها، وباتت رسومات على الورقة لا تشبه شيئًا أعرفه، عدا تلك الفراغات الصغيرة بين الكلمات؛ فهي تشبه قبور عابد المرتبة. والنقط الصغيرة فوق الحروف تحتها وبجانبها، ألا تشبه نقط الدماء؟ تقطر واحدة تلو الأخرى من سكين عابد الحادة. ومعها تنساب السطور، تسيل وتتموج كخصل شعره الذي قصصته غير بعيد، والدم يقطر منها على حجري، وداخل رأسي، وفي كل اتجاه تقع عليه عيناي. أغمضت عيني، أغلقت الكتاب، ضممته إلى صدري. لا مزيد من الدماء! لكن الدماء اضمحلت، وصارت وقع أقدام الرجال على الطريق المشجر لبيت أم جبران، تتردد في منحنيات عقلي، وتتحور حتى صارت حشرجاتهم الأخيرة. ثم خشخشة، خشخشة أكياس تغطي أجسادهم الكبيرة. حفيف الأشجار تلعنهم وتلعننا، دولاب العربة يؤز، المعول يحفر. التراب والريح وكل ما بينها، ثم الساعة.. تك توك... تك توك.. مفاتيح عابد تخدش المعدن حول الفتحة، تدور وتك... كيف مضى الوقت؟