الحداثة
الحداثة بقلم عبد السلام بنعبد العالي، محمد سبيلا. ... الحداثة حركة إنفصال، إنها تقطع مع التراث والماضي، ولكن لا لنَبْذه وإنما لإحتوائه وتلوينه وإدماجه في مخاضها المتجددة، ومن ثمة فهي إتصال وإنفصال، إستمرار وقطيعة: إستمرار تحويلي لمعطيات الماضي وقطيعة إستدماجية له. هذا الإنفصال والإتصال تمارسه الحداثة حتى على نفسها، فما يسمى ما بعد الحداثة لا يمثل مرحلة تقع خارج الحداثة "وبعدها" إنه أقرب ما يكون إلى مراجعة الحداثة لنفسها لنقد بعض أسسها وتلوينها، فإذا ما غلب على دينامية الحداثة منطق الفصل والقطيعة فإن ذلك وسم المراحل الظافرة للحداثة في ذورتها لتعود إلى توسيع وتليين آليتها إبتداء من منتصف القرن العشرين. وقد رافقت كل هذه التحولات سمات فكرية وفلسفية كبرى أهمها العقل والعقلانية حيث غدا العقل الحسابي والنقدي هو معيار كل معرفة ومرجعها الحاسم إلى درجة جعلت منتقدي الحداثة يعيبون عليه كون عقلاً أداتياً وإرادة إرادة - بتعبير هيدجر - تفتقد الغايات القصوى والأهداف والمعاني السامية. وقد حاولنا في هذا الدفتر مراعاة كل جوانب ومستويات الحداثة سواء من حيث التحديدات الزمنية أو من حيث أسسها الفلسفية، أو من حيث مظاهرها السياسية والإجتماعية المختلفة، طارحين في النهاية تساؤلات حول علاقتنا بالحداثة آملين أن نقدم لكل من الطالب والباحث والقارئ مادة خصبة للتفكير في مختلف جوانب هذه الظاهرة الشائكة، من منظورات متعددة.