الأعمال النثرية - الجزء الخامس ؛ سيادة الهامش
الأعمال النثرية - الجزء الخامس ؛ سيادة الهامش بقلم محمد بنيس ... البيتُ. المدرسةُ. الكتابُ. الصحافة. كلها ألزمتْني بالمعنى الواحد. وفي كل مرة كنتُ أصطدمُ بالمعنى، طاغيةً يطالبني بالامتثال، أو شبحاً يتدحرجُ بين الأقدام. أجلْ، كثيراً ما سكنتُ في وضُوح المعنى، انتشيتُ به، وبه أيضاً اقتربتُ من الناس والأشياء والكوْن. في فاس التي ورثتُ أسواقَها وأضرحتَها، ماءَها وأزقتَها، موسيقاها وأمثولاتِها، نساءَها ومجانينَها، كان المعنى مستقرّاً في كلمات، وما حوْلي كلمات. ثم كان ما كان. بعذابات المعْنى تبدّد الوضوح. وذلك الليلُ، الذي صادفتُ فيه الشعر وغويْتُه، مرات متتاليات، بأوراق شمسيّة قادمة من سحْر الأمكنة الحديثة والقديمة، هو الليلُ ذاته الذي أتشبّعُ به في منتصف النهار. شمسُ المعنى نسغٌ للانهاية الصمْت. ثمة صداقاتٌ توغل في الجفَاء. ولي عذاباتُ المعْنى. وجنازتُها جنازتي. جسدي على نعْش أحسّ ببرودته. حولي بقيةٌ من دمي. ما لمْ أكتبه لم يعُد ينتظرني. ولي عتماتٌ سميتُها شطحَات لمنتصَف النّهار