أحسن ناس
أحسن ناس بقلم إياد حماد ... عندما قررتُ أن أكون إيطاليا كانتْ الوحيدة التي من الممكن أن تجهض هذا المشروع، وتمنع هذه الفكرة: الملكة نفرتاري، لا أحد يملك سطوتها، ولا أحد غيرها يمكن أن يأمرني أن أبقى مصريًا. هي لم تطلب مني أن أبقى مصريّا ولا لمرة واحدة، لكن صمتُ عينيها كان يأمرني ألا ابتعد عن إشعاعه. في أكثر من مناسبة كادتْ تنجح، لكنّني في النهاية قطعتُ لها وعدا ألا أخونها أبدا ولا مع أيّ امرأة أخرى ولا من أيّ حضارة كانتْ. هذا الوعد ساعدني على قطع صلاتي بمصر، هذه العلاقة الخفية، الحبل غير المنظور بيني وبين نفرتاري كان دائما يذكرني بأنني مصري حتى النخاع، هذا الحبل كأنه الحبل السُرّي الذي لم ينقطع بعد، ما زلت جنينًا محتاجًا لأمي، فهل ينجح الحبل السُّرّي في إبقاء رابطتي معها، ومن ثم إعادتي إلى حضنها مرة أخرى! إعادتي إلى أمي الكبرى مصر. أمرّ اليوم بمرحلة جديدة من حياتي، ربما مرحلة فاصلة، فاصلة بين عهدين، قد أضطر لاتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة لي، تذكرتُ الوقت الذي تركتُ فيه مصر، والوقت الذي ماتتْ فيه أمي وقطعتْ فيه علاقاتي مع مصر، اليوم وضعي شبيه بتلك الفترات! يجب أن أعيد التوازن المفقود إلى حياتي، أشعر اليوم إن إيطاليا تبعدني عنها، كما أبعدتني مصر من قبل. مصر لم تمهلني سوى عشرين عامًا، أما إيطاليا فقد كانت كريمة معي أكثر، فقد سمحتْ لي بالبقاء فيها إلى أن أصبح عمري خمسين عاما، مصر قدمتْ لي حبي لنفرتاري، بينما إيطاليا وهبتني زوجة وابنًا، وثروة كبيرة من المال، كما منحتني كرشًا ضخمة، ورأسًا تساقط شعره، لا أعلم ما الذي فعلتُه الآن لتقلب لي ظهرها، لتتعامل معي بجفاء شديد، وتبدأ بسلب ما أعطتني إياه من قبل!