الأعمال الجزء الخامس في الفكر الفلسفي بالمغرب
الأعمال الجزء الخامس في الفكر الفلسفي بالمغرب بقلم Abdel Salam Ben Abdel Ali ... لا تخفى أهمية هذه الدراسات حول الفكر المغربي بين الإنفصال والإتصال وهاته الوقفات التي يتوقف عندها الفكر ليثبت التحولات الكبرى التي يكون قد عرفها، ولا تخفى دلالاتها، في أولاً إثبات لتحولات؛ لكنها أيضاً، وربما أساساً، علامة على تحولٍ ووعيٍّ بتحول، فقد عودتنا العلوم الإنسانية بصفة، والتاريخ على الخصوص، وتاريخ الأفكار على الأخص، تحيّن لحظات التحول والإنفراج كي تزدهر وتترعرع، ففي مثل هذه اللحظات تراجع الذات حساباتها وينعكس الفكر على نفسه، وليقف عندما يكون قد عرفه من تحول، وما عاشه من إنفصال وقطيعة، إلا أن هناك مفهومين متباينين: إن لم يكونا متقابلين، عن التحول والإنفصال، يندرجات تحت تصورين مختلفين عن الزمان التاريخي: أحدهما يصدر عما يمكن نعته بالهم الكرونولوجي، أما الآخر فيتولد عما يمكن أن يُطلَقْ عليه الحسّ التاريخي، فإن كان الهم التأريخي ينشغل أساساً بتحقيب التاريخ وإثبات الأدوار؛ فإن الحسّ التاريخي لا يشغل نفسه بتقطيع الزمن، ولا ينظر إلى أنماط الزمان من حيث أنها تتعاصر خارج بعضها البعض، بحيث لا يغدو الحاضر هو الآن الذي يمرّ، بل ذاك الذي يمتد بعيداً حتى يبلغ المستقبل الذي يستجيب للماضي. إن الهم التأريخي ينشغل ببناء المراحل والقرون، أما الحسّ التاريخي فهو يسعى إلى إقامة تاريخ العصور من حيث أن العصر ليس حقبة زمنية، ولا فترة تمتد بين تاريخين؛ العصر علاقة متفجرة للماضي بالمستقبل، فعند كل عصر ينكشف عالم من العوامل. أي تنكشف بالنسبة لإنسان ذلك العام علاقة جديدة للماضي بالمستقبل. من هنا، وفي إطار دراسة الفكر الفلسفي بالمغرب فإن السؤال الأساس الذي يودّ الباحث طرحه حول مدى تفتح هذا الفكر على مفهوم الإنفصال لا ينبغي أن يصدر عن همّ تاريخي، ولا أن ينشغل بإثبات الأدوار التاريخية التي يمكن أن يكون الفكر المغربي قد عرفها في شتى الميادين، ولا يرصد مختلف المصنفات التي ظهرت في كنفه، ولا بتحديد المواقف وتعيين المدارس وإثبات التيارات؛ وإنما ما يسعى إليه الباحث في هذه الدراسات هو بيان ما إذا كان هذا الفكر يعرف الآن علاقة جديدة للماضي بالمستقبل؛ أي إذا كان يطلّ على عصر جديد؛ وما إذا كان ينفتح على ما درج تسميته حداثة، شريطة التمييز هنا أيضاً بين حداثة وحداثة، والنظر إلى الحداثة نفسها بفكر يطبعه الحسّ التاريخي... وليس بعين يشغلها الولع التاريخي.