على ضفاف بابل

على ضفاف بابل بقلم خالد القشطيني ... تشكل رواية "على ضفاف بابل" للروائي العراقي خالد القشطيني سجلاً تاريخياً - اجتماعياً حافلاً لمدينة بغداد في النصف الأول من القرن العشرين، وتضيء عالماً روائياً ملحمياً، يختلط فيه الخاص بالعام، والحب بالفقد، والوفاء بالغدر، والخساسة بالنبل، وتجمع إلى ذلك التناقضات على صعيد الشخصيات والأدوار والقيم... وهي بهذا تعكس قدراً من التعقيد هو بمثابة انعكاس لأنماط القوى السائدة والبنى الذهنية التي تتحكم بالعلاقات الاجتماعية والأفراد في الحياة العامة؛ وهي إلى ذلك رصد لكافة التحولات التي عاشها المجتمع العراقي في الأربعينيات بمختلف أديانه ومذاهبه وأعراقه. وفي الرواية ينطلق الروائي من حالة خاصة إلى حالة عامة في الفترة التي تتناولها الرواية، حيث تبدأ أولى مشاهد النص باجتماع عائلة أبو ممدوح بقصد غسل شرف العائلة الذي يبدو أن "سميرة"، ابنة السبعة عشرة عاماً قد لوثته، ويتمثل هذا بشكوك عائلة الفتاة بحملها من ابن الجيران "حسون" والحديث حول قتلها، لولا تدخل العمّات واقتراحهم القيام بفحصها قبل اتخاذ أي قرار. تبدأ عملية الكشف الطبي على يد الدكتور "عبد السلام ساسون" وهو الشخصية الرئيسية في الرواية للتأكد ما إذا كانت "سميرة" حاملاً أم لا، وإمكانية التخلص منها إذا ما كان الأمر كذلك، وكانت النتيجة أن الفتاة كانت حاملاً من "حسون"، وبدلاً من قتلها على يد أحد أخويها، حسب العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع الشرقي؛ فقد فضلت العائلة الإعلان عن فقدان الابنة؛ فيما كان الدكتور "عبد السلام" يقوم بتهريبها إلى البصرة عبر أحد زملائه العاملين هناك في أحد المستشفيات، بينما كان "حسون" يعاني آلام الفراق والبحث عن "سميرة"، وبعد طول عناء يلتقي حسون بالدكتور عبد السلام ويكشف له سرّ سميرة ومكان وجودها في البصرة لدى زميله الدكتور "جورج مالك" الذي لم يجده هو الآخر، في هذه الأثناء كانت سميرة تعاني من نظرة المجتمع السلبية إليها والاستغلال الجسدي من المحيطين بها في المستشفى؛ فتقرر بعد لحظة يأس العمل بمهنة الدعارة "لماذا تعطي بالمجان ما يمكن أن تبيعه بفلوس في عالم كل ما فيه يقوم على الفلوس؟" ورهنت الفتاة جسمها لدى "وفيقة خان" في بيت "الشانشيل الأزرق في المنزول" بمقابل أجر مادي وتبقى على هذه الحال حتى قدوم "حسون" وعثوره على مكانها، وكان عليه مقابل تحريرها أن يسدد مائة دينار لوفيقة خان قبل أن يحرر "سميرة" من أسر تلك السمسارة اللعينة. "كانت حكاية وكان على العاشق الشاب أن يستمع إليها ويتحمل مرارتها وهي تروي له كل ذلك، ... وقد دفنت رأسها بين ذراعه وصدره ونشرت شعرها الكستنائي مبعثراً على كتفه، تروي وتعتذر، ويعتذر ويكفّر، جالسين معاً على المقعد الخلفي من سيارة كريم، تجري في طريقها إلى مطار بصرة الدولي ليلحقا بالطائرة، أي طائرة ركاب تنطلق من تلك الأرض نحو أي أرض في العالم لا يذبح فيه الناس من تستجيب لنداء الحب أو يغتصبون جسمها وروحها ويستبيحون حياتها وكيانها". بهذا الخطاب يقدم خالد القشطيني في "على ضفاف بابل" مقاربة مختلفة للعلاقات الأسرية في المجتمع العربي/الأبوي، يعيد فيها النظر بواحد من الثالوث المحرم في مجتمعاتنا، ويفرد للمرأة الضحية نصيباً من العفو. ويمنح لـ "سميرات" كثيرات فرصة الحياة، والعودة إلى الحب والحياة.